تحليل سياسات: جيبوتي على مفترق طرق – أزمة الخلافة، المناورات الدستورية، ومخاطر "الخطة ب"
التاريخ: 23 أكتوبر 2025
في هذا التحليل العميق:
أزمة الخلافة الجيبوتية: كشف تفصيلي عن فشل الرئيس في تأمين خليفة توافقي داخل عشيرته، وتداعيات ذلك على المشهد السياسي.
المناورات الدستورية: تحليل للتعديل الدستوري الوشيك لإلغاء قيد السن، ولماذا يعتبر خطوة اضطرارية وليست اختياراً أولياً.
خطوط الصدع الداخلية: استعراض للانقسامات الحادة بين عشائر العيسى، والتوتر المتصاعد بين العيسى والعفر، ومخاطر تغذيتها للصراع.
التهديد الأمني المتجدد: تقييم للنشاط المتصاعد لجبهة “FRUD” في الشمال، مع الكشف عن تهديدات جديدة من قادة الجبهة.
تدهور صحة الرئيس: تسليط الضوء على المعلومات الحصرية حول الوضع الصحي الحرج للرئيس (جسدياً ونفسياً) وتأثيره على قراراته السياسية.
“الخطة ب” للخلافة: كشف تفصيلي للخطة البديلة السرية لانتقال السلطة، والتي تشمل تعديلات دستورية إضافية وتعيين “عرّاب” لإدارة المرحلة الانتقالية.
موقف القوى الدولية: تحليل للموقف البراغماتي للدول الغربية، وكيف أن المصالح الاستراتيجية تطغى على المخاوف الديمقراطية في جيبوتي.
اقرأ التحليل كاملاً لمعرفة التفاصيل الدقيقة والخفايا السياسية التي تشكل مستقبل جيبوتي.
ملخص تنفيذي
تواجه جمهورية جيبوتي، الدولة ذات الموقع الاستراتيجي المحوري في القرن الأفريقي، واحدة من أكثر المراحل السياسية تعقيداً وغموضاً منذ استقلالها. فخلف ستار الاستقرار النسبي في منطقة مضطربة، تتفاعل أزمة خلافة عميقة تهدد بجر البلاد إلى فراغ دستوري أو صراع داخلي. يكشف هذا التحليل، استناداً إلى مصادر مطلعة، أن سعي الرئيس إسماعيل عمر جيلي لولاية سادسة ليس مجرد رغبة في التمسك بالسلطة، بل هو نتيجة اضطرارية لفشل دام ثلاث سنوات في تأمين خليفة توافقي من داخل عشيرته. وبينما يتم التحضير لتعديل دستوري وشيك لإلغاء قيد السن، تشير معلومات دقيقة حول الوضع الصحي الحرج للرئيس إلى أن المشهد أعقد بكثير، وأن “خطة بديلة” محفوفة بالمخاطر قيد الإعداد لضمان انتقال السلطة، كل ذلك على وقع تهديدات أمنية متجددة في الشمال.
1. الأزمة الدستورية: غطاء لفشل الإجماع
بعد تصريحات سابقة متعددة أكد فيها عدم نيته الترشح، يتجه الرئيس جيلي الآن لولاية سادسة. هذه الخطوة تتطلب تجاوز عقبة دستورية أساسية؛ فبينما ألغى تعديل سابق سقف الولايات، أبقى على مادة تمنع من تجاوز عمره 75 عاماً من الترشح. ولأن الرئيس جيلي قد تجاوز هذا السن، بات التعديل الدستوري لإلغاء هذه المادة ضرورياً.
وفقاً للمعلومات، فإن المؤتمر الحزبي سيعقد في 25 أكتوبر الجاري، يليه إعلان الترشيح رسمياً في 26 أكتوبر. لكن هذا التشبث بالسلطة ليس، بحسب المصادر، الخيار الأول للرئيس. تكشف مصادرنا أن الرئيس أمضى السنوات الثلاث الماضية في اجتماعات مكثفة ومغلقة مع عشيرته (الماماسن، وهي فصيل من قبيلة العيسى) للاتفاق على خليفة، لكن هذه الاجتماعات باءت جميعها بالفشل. الانقسام داخل “الماماسن” حاد، فكل فصيل من العشيرة يطالب بأن يكون المرشح القادم منه، مما يهدد بتصدع العشيرة الحاكمة نفسها.
2. خطوط الصدع العرقية والقبلية
فشل الرئيس في توحيد عشيرته هو مجرد جزء من مشهد سياسي شديد الاستقطاب:
انقسام (العيسى-العيسى): ترفض العشائر الأخرى المكونة لقبيلة العيسى (غير الماماسن) بشكل قاطع القبول برئيس جديد من “الماماسن”. في المقابل، تعتبر عشيرة الماماسن ترشيح أي شخصية من عشائر العيسى الأخرى “خطاً أحمر”، خشية أعمال انتقامية محتملة جراء “أعمال قتل” سابقة، حسب ما تداولته المصادر.
الاستقطاب (العيسى-العفر): تعارض قبائل العفر، التي تشكل الأغلبية السكانية في المحافظات خارج العاصمة، استمرار هيمنة قبيلة العيسى (بكل فصائلها) على منصب الرئاسة. ولأن العفر يفتقرون إلى النفوذ الكافي داخل الجيش، الذي تسيطر عليه هياكل قبلية موالية للسلطة، فإنهم يعولون بشكل متزايد على الكفاح المسلح كخيار وحيد.
3. تجدد التهديد الأمني في الشمال
هذا الاستقطاب العرقي يغذي مباشرة الوضع الأمني في شمال البلاد. على الرغم من الاستقرار النسبي للعاصمة، فإن “الجبهة من أجل استعادة الوحدة والديمقراطية” (FRUD)، وتحديداً فصيل القائد محمد كدعمي الرافض للمصالحات السابقة دون ضمانات، لا يزال فاعلاً.
خلال العامين الماضيين، كثفت الجبهة من عملياتها العسكرية، ونفذت عشرات الهجمات التي شملت السيطرة على معسكرات واختطاف ضباط ومسؤولين، كان آخرها قبل أربعة أشهر. وفي تطور لافت، حصل “موقع القرن الأفريقي للسياسات” على تسجيل حديث (مرفق بهذا التقرير) من أحد قادة الجبهة، يتوعد فيه الحكومة “بالسيل الجارف من أبناء العفر”، ويؤكد أن “جيبوتي، وخاصة العفر، لن يقبلوا وريثاً لإسماعيل في السلطة”.
4. “الخطة ب”: أزمة الصحة والمناورة الدستورية القادمة
العامل الأكثر حساسية وتأثيراً في المشهد هو الوضع الصحي للرئيس جيلي. تشير مصادر مقربة جداً من العائلة إلى أن الرئيس يعاني من أمراض متعددة تعيق قدرته الفعلية على ممارسة الحكم لولاية كاملة، حتى لو ترشح وفاز:
-
جسدياً: يعاني الرئيس من فرط السمنة وما يصاحبها من ارتفاع مزمن في ضغط الدم وأمراض القلب. كما يعاني من مرض في الركبة، بالإضافة إلى آلام مبرحة ومزمنة في المعدة (مرض سري للغاية لم يُفصح عنه حتى لأقرب المقربين)، يضطره لتناول “المورفين مرتين يومياً” لتسكين الألم.
-
نفسياً وعصبياً: تذكر المصادر أن الرئيس يعاني من أعراض “حالة مبكرة من الزهايمر” وفقدان ذاكرة مؤقت. الأمر الأكثر خطورة هو معاناته من “صراخ شديد أثناء النوم” وحالات “توهمات خطيرة” تأتيه ليلاً حول “أشخاص قتلى وأموات يعذبونه”. وقد استدعي له طبيب نفسي متخصص إلى منزل ابنته في باريس مطلع هذا العام، بعيداً عن السجلات الرسمية.
هذا الوضع الصحي الحرج يفسر، بحسب المطلعين، “الخطة ب” التي يتم إعدادها:
-
الترشح والفوز: يتم تعديل الدستور (بند السن)، ويترشح الرئيس جيلي ويفوز بالولاية السادسة لضمان السيطرة على عملية الانتقال.
-
الاستقالة المبكرة: بعد فترة قصيرة، وبذريعة صحية، “يستقيل” الرئيس من منصبه.
-
المأزق الدستوري: حسب الدستور الحالي، يتولى رئيس المحكمة العليا الرئاسة مؤقتاً (لمدة 50 يوماً). لكن رئيس المحكمة الحالي (شخصية صومالية من قبائل الدارود) يُعتبر مقرباً من السيدة الأولى، التي تسعى لترتيبات خلافة خاصة بها (لصالح ابنها أو مقربين منها) وهي في خلاف عميق مع عشيرة الرئيس (الماماسن).
-
المناورة الدستورية الثانية: لتفادي هذا السيناريو، يُعتقد أنه سيتم الدفع بتعديل دستوري آخر (إما الآن أو بعد الانتخابات مباشرة) لنقل صلاحيات الرئيس المؤقت من رئيس المحكمة العليا إلى رئيس البرلمان.
-
الخليفة المؤقت (العرّاب): رئيس البرلمان الحالي هو السيد دليتا محمد دليتا (عفري)، وهو صديق شخصي وموضع ثقة مطلقة للرئيس جيلي. سيتولى دليتا الرئاسة المؤقتة.
-
الهدف النهائي: سيعمل دليتا كـ “عرّاب” لإدارة الفترة الانتقالية وضمان ترشح وفوز الخليفة الفعلي الذي يختاره الرئيس جيليه، وهو ابن أخيه، السيد جيليه إدريس جيليه.
5. الموقف الدولي: الواقعية الاستراتيجية تهزم الديمقراطية
أمام هذا المشهد المعقد، يبدو “عدم الرضا” الغربي (الأمريكي والفرنسي) نظرياً أكثر منه عملياً. إن الأهمية الاستراتيجية الفائقة لجيبوتي، التي تستضيف قواعد عسكرية كبرى (أمريكية، صينية، فرنسية، يابانية)، وموقعها كشريك في مكافحة الإرهاب وتأمين مضيق باب المندب، يجعل القوى الكبرى تفضل “الاستقرار” تحت حكم جيلي على “الفوضى” الديمقراطية. لذلك، من المستبعد ممارسة أي ضغوط جدية لمنع التعديلات الدستورية، طالما أن مصالحها الحيوية مصانة.
خاتمة
يقف الرئيس إسماعيل عمر جيلي أمام مناورته الأخيرة. فهو لا يصارع خصومه السياسيين (العفر وبقية عشائر العيسى) فحسب، بل يصارع أيضاً الانقسامات داخل عشيرته، وتدهور صحته، وطموحات الدائرة المقربة من السيدة الأولى. إن “الخطة ب” هي مقامرة عالية المخاطر تعتمد على الولاء المطلق لرئيس البرلمان وعلى القدرة على تمرير تعديلات دستورية معقدة في وقت قياسي. إن جيبوتي تدخل نفقاً من عدم اليقين، قد ينتهي بانتقال سلس للسلطة إلى “الوريث المختار”، أو قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية يغذيها التنافس العشائري والتهديد المسلح.

