ملخص تحليلي مفصل لـ دورية “دور إثيوبيا في القرن الأفريقي: أربعة سيناريوهات محتملة”
مقدمة من مركز القرن الأفريقي للسياسات
يقدم مركز القرن الأفريقي للسياسات هذا الملخص التحليلي المفصل لموجز السياسات الصادر عن معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي (IFA) في عام 2024، والذي يحمل عنوان “دور إثيوبيا في القرن الأفريقي: أربعة سيناريوهات محتملة”1. تم إعداد هذا الإصدار الهام بواسطة فريق من الباحثين والخبراء هم هينوك جيتاشيو، وجاهاو أيفرام، والسفير راشد محمد2. يأتي هذا التحليل في وقت مفصلي تمر به إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي بأكملها، حيث تتشابك التحديات الداخلية مع الديناميكيات الإقليمية والدولية المتغيرة، مما يضع الدور التاريخي لأديس أبابا كقوة إقليمية على المحك.
يهدف هذا الملخص المطول إلى استعراض وتحليل الأفكار والرؤى العميقة التي قدمها التقرير، وتفكيك الأسس التي بنيت عليها السيناريوهات المستقبلية المقترحة. سنسعى إلى تقديم قراءة شاملة للمعضلات التي تواجه صانع القرار الإثيوبي، وكيف أن مسار السياسة الخارجية للبلاد لم يعد مجرد امتداد لإرادتها الوطنية، بل أصبح نتاج تفاعل معقد بين صراعاتها الداخلية، وطموحات جيرانها، ومصالح القوى الدولية. إن فهم هذه الأبعاد المتعددة، كما يعرضها تقرير المعهد، هو أمر حيوي لكل متابع لشؤون هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم.

الجزء الأول: أزمة الهيمُن الإثيوبي: من دولة الارتكاز إلى البحث عن الشرعية
لطالما اعتُبرت إثيوبيا، بحكم ثقلها الديموغرافي ومساحتها الجغرافية وموقعها الاستراتيجي، “دولة ارتكاز” (anchor state) في منطقة القرن الأفريقي3. استند هذا الدور إلى مجموعة من العوامل، من بينها استعدادها الداخلي لإبراز قوتها، وقدراتها العسكرية، ومشاركتها الفاعلة في المبادرات الأمنية الإقليمية والدولية، مثل “الحرب على الإرهاب” وعمليات حفظ السلام4. ومع ذلك، يشير تقرير معهد الشؤون الخارجية إلى أن هذا الدور المهيمن يواجه اليوم تآكلاً غير مسبوق، وأن أديس أبابا تجد نفسها في صراع مزدوج لا يقتصر على مجرد إبراز القوة المادية، بل يمتد إلى “الكفاح من أجل توليد الثقة والشرعية”5.1. الشروخ الداخلية: استنزاف القدرات وتآكل الدولة
يضع التقرير التحديات الداخلية في صميم أزمة الدور الإثيوبي. فالصراع المدمر في شمال البلاد لم يكن مجرد أزمة أمنية عابرة، بل كان له تداعيات بنيوية عميقة “استنزفت إمكانات الدولة”6. لقد أدت الحرب إلى استهلاك الموارد الاقتصادية والعسكرية على نطاق واسع، وشغلت الدبلوماسية الإثيوبية في معارك جانبية للدفاع عن موقفها بدلاً من التركيز على المبادرات الإقليمية البناءة. ورغم أن اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في بريتوريا ونيروبي بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي قد أنهى شكلياً الأزمة المصاحبة للصراع 7، إلا أن تداعياته لا تزال ماثلة.
لكن الأزمة لا تقتصر على الشمال. يشير التقرير إلى أن “جيوباً مختلفة من البلاد” 888، خاصة في “الأجزاء الغربية والوسطى من إثيوبيا”، تشهد تصاعداً في النزاعات وما يترتب عليها من مشاكل إنسانية9. هذه “حركات التمرد القائمة على أساس عرقي” تتحدى بشكل مباشر “احتكار الدولة للعنف” 10، وهو أحد الأركان الأساسية لسيادة أي دولة. هذا التآكل في السلطة المركزية لا يضعف إثيوبيا من الداخل فحسب، بل يقوض أيضاً صورتها في الخارج كعامل استقرار، ويحولها تدريجياً من “مصدر للأمن” إلى “متلقٍ للمساعدات الأمنية” 11، مما يحد من قدرتها على لعب أي دور قيادي.
2. العزلة الدبلوماسية: تدهور العلاقات الإقليمية والدولية
لم تكن التحديات داخلية فقط، بل امتدت لتشمل علاقات إثيوبيا الخارجية. يبرز التقرير “العلاقات الدبلوماسية المضطربة التي تربط إثيوبيا بالسودان ومصر بشأن الاستفادة من مياه النيل” 12 كأحد أبرز مصادر التوتر الإقليمي. قضية سد النهضة، رغم أهميتها الوطنية لإثيوبيا، أدت إلى استقطاب حاد في المنطقة وأعاقت التعاون البناء. بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى الخلاف الحدودي مع السودان 13، والاتهامات الإثيوبية المتكررة للخرطوم بـ”تقديم الدعم لمقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي ودعم الجماعة المتمردة في منطقة بني شنقول-جوموز”14. هذه التوترات مع الجيران المباشرين تخلق بيئة معادية تعيق أي طموح إثيوبي لاستعادة نفوذها.
على الصعيد الدولي، كان “الموقف الدبلوماسي للدول الغربية فيما يتعلق بنزاع الشمال” 15 بمثابة ضربة قاصمة لمكانة إثيوبيا. لقد أدت الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان والضغوط الدبلوماسية إلى “تحديات لمكانتها ودورها الإقليمي والهوية المصاحبة التي تسعى الدولة إلى إبرازها”16. هذا “مشكلة الاعتراف المرتبطة بالفاعلين الخارجيين” 17 أضعفت شرعية أديس أبابا وأتاحت الفرصة لقوى إقليمية أخرى لملء الفراغ. إن الغرب، الذي كان يعتبر إثيوبيا حليفاً رئيسياً في السابق، لا يزال يمتلك “نفوذاً لتقييد خيارات السياسة الخارجية للبلاد” 18، مما يجعل التقارب معه شرطاً أساسياً لأي عودة إثيوبية قوية.
إن العلاقة بين الموقف الإقليمي للبلاد والدور الذي تسعى للعبه هي علاقة “تعزيز متبادل”19. فكلما تدهور وضعها الداخلي والخارجي، ضعف دورها، وكلما ضعف دورها، زادت صعوبة استعادة مكانتها.
الجزء الثاني: استشراف المستقبل: تحليل متعمق للسيناريوهات الأربعة
يقدم تقرير معهد الشؤون الخارجية أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل دور إثيوبيا، وهي ليست مجرد تكهنات، بل هي مسارات منطقية مبنية على تحليل المعطيات الحالية. “تعكس هذه السيناريوهات الأربعة الموقف المحتمل لإثيوبيا في المنطقة في مواجهة المتنافسين المحتملين في سعيهم لتحقيق مصالحهم الأمنية”20.
السيناريو الأول: نظام إقليمي ثنائي القطبية (التنافس على الهيمنة بين كينيا وإثيوبيا)
يفترض هذا السيناريو أن إثيوبيا ستتمكن من التعافي من “قيودها الداخلية” 21والعودة إلى “الفضاء الجيوسياسي الإقليمي”22. ستكون هذه العودة مدفوعة بالتقدم المحرز في اتفاق السلام واستعادة الاستقرار تدريجياً. ومع ذلك، لن تجد أديس أبابا الساحة فارغة كما كانت في السابق، بل ستواجه منافساً قوياً ومصمماً هو كينيا.
يُظهر التقرير أن نيروبي استفادت من انشغال إثيوبيا بمشاكلها لتعزيز مكانتها. فقد حظيت “باعتراف متزايد من الغرب بدورها في المنطقة” 23، وأبدت “التزاماً متزايداً بإبراز قوتها كما شهدنا مؤخراً في الكونغو”24. تتويج هذا الصعود جاء من خلال علاقتها الوثيقة بالغرب، والتي بلغت ذروتها مؤخراً “بالاعتراف بها كحليف رئيسي من خارج الناتو”25.
سيأخذ هذا التنافس بين القوتين أشكالاً متعددة. يشير التقرير إلى وجود “انقسامات واضحة بين الدولتين فيما يتعلق بالمسار السياسي في الصومال وجنوب السودان”26. يمكن أن يترجم هذا إلى دعم أطراف مختلفة في النزاعات المحلية، أو التنافس على قيادة جهود الوساطة، أو إطلاق مبادرات دبلوماسية متنافسة. إذا اعتبرت كل دولة الأخرى “منافساً”، فإن “تشكيل النظام الإقليمي سيواجه صعوبة”27. ولكي تتمكن إثيوبيا من خوض هذا التنافس بفعالية، فإنها بحاجة ماسة إلى “تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الدول المجاورة واستعادة اعتراف الغرب بها كفاعل إقليمي”28.
السيناريو الثاني: صعود نيروبي (كينيا تفرض هيمنتها في المنطقة)
يمثل هذا السيناريو النتيجة المنطقية لاستمرار الأزمة الإثيوبية. إذا استمرت “صعوبة معالجة الوضع الداخلي غير المستقر في إثيوبيا” 29، فإن ذلك “سيستمر في إضعاف الدور الذي تسعى البلاد للعبه في المنطقة”30. هذا الضعف سيخلق فراغاً في السلطة، وستكون كينيا في وضع مثالي لملئه، شريطة أن تكون “راغبة في ذلك وتحافظ على علاقات دبلوماسية صحية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي”31.
تستند قوة كينيا في هذا السيناريو إلى مجموعة من العوامل المادية وغير المادية:
- الشرعية الدبلوماسية: يميل “الخطاب الرسمي للغرب” بشكل متزايد نحو “إعطاء الشرعية للدور الإقليمي لكينيا”32.
- القوة الناعمة والديمقراطية: يُنظر إلى “مصداقية انتخابات عام 2022” على أنها دليل على أن كينيا “منارة للديمقراطية” في منطقة تكافح من أجل التحول الديمقراطي33. يمكن استخدام هذا “السجل الديمقراطي كجانب غير مادي” يدعم قدراتها المادية34.
- الدبلوماسية النشطة: يبرز دور نيروبي في الوساطة، وأهم مثال على ذلك هو “استضافتها لاتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي”35. إذا تمكنت كينيا من “تكرار دورها في الوساطة في الدول الأخرى التي مزقتها الحروب في المنطقة وخارجها”، فإن ذلك سيعزز طموحها في الهيمنة36.
- القوة الاقتصادية: يشير التقرير إلى أن “الأداء الاقتصادي المتزايد لنيروبي قد يساعد أيضاً رغبة البلاد في فرض هيمنة إقليمية”37.
هذا السيناريو يعني تراجعاً كبيراً للدور التاريخي لإثيوبيا، وتحول مركز الثقل في القرن الأفريقي بشكل حاسم نحو الجنوب.
السيناريو الثالث: عودة الهيمنة الإثيوبية (العودة إلى الوضع السابق)
هذا هو السيناريو الأكثر تفاؤلاً من منظور أديس أبابا، ولكنه أيضاً الأكثر تطلباً. يؤكد التقرير أن استعادة إثيوبيا لهيمنتها “لا يمكن أن تحدث في فراغ” 38، بل تتطلب “قلب العوامل الداخلية التي تجبر إثيوبيا على التراجع من الفضاء الجيوسياسي الذي كانت تتمتع به حتى الآن”39.
لتحقيق ذلك، يجب على إثيوبيا اتباع خارطة طريق واضحة ومترابطة:
- تحقيق الاستقرار الداخلي: هذا هو “الشرط الذي لا غنى عنه”40. يجب على الدولة “استعادة القانون والنظام في المناطق التي دمرها الصراع” 41لإعادة ضبط سياستها الإقليمية وإظهار قدرتها على التحول من “متلقٍ للأمن إلى دولة تقف بحزم لا تبحث فقط عن أمنها، بل تقدم أيضاً قدراً من الأمن للمنطقة”42.
- تصفير المشاكل الإقليمية: “تسوية النزاع الذي تخوضه البلاد مع السودان حول الأراضي المتنازع عليها يمكن اعتباره فرصة جيدة للتغلب على أحد التحديات الخارجية”43. إن مواجهة استراتيجية السياسة الخارجية للخرطوم التي تهدف إلى “استغلال الضعف الأمني لإثيوبيا” 44 سيدعم حملة أديس أبابا لإعادة تأكيد هيمنتها. فبدون “تنسيق العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المجاورة ‘العدائية’ حتى الآن”، سيكون من الصعب تعزيز موقع القوة النسبي للبلاد45.
- إعادة التأهيل الدولي: يتطلب ذلك “التقارب الدبلوماسي مع الغرب” 46و”تحديد المجالات التي تتقارب فيها مصالح الغرب وإثيوبيا”47. كما يتضمن إعادة تنشيط المشاركة في عمليات حفظ السلام، وهو ما يستلزم “معالجة علاقاتها مع الأمم المتحدة” 48، خاصة في ظل التقارير التي تفيد بأن مشاركة قوات حفظ السلام الإثيوبية في المستقبل “ستخضع للتدقيق في سجلات حقوق الإنسان لكل جندي منتشر”49.
- استعادة النفوذ المؤسسي: “إحياء نفوذها داخل المنظمة الإقليمية (إيقاد)” سيكون بمثابة فرصة لرحلة إثيوبيا لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة50. لقد كانت “إيقاد” تاريخياً “أداة للسياسة الخارجية لإثيوبيا” لتأمين مصالحها الوطنية فيما يتعلق بإريتريا والصومال وجنوب السودان51.
السيناريو الرابع: منطقة بلا قائد (قرن أفريقي بدون قوة مهيمنة واضحة)
يفترض هذا السيناريو فشل كل من إثيوبيا وكينيا في فرض هيمنة واضحة، مما يؤدي إلى فراغ في القيادة الإقليمية. “لن يكون للمنطقة قوة مهيمنة واضحة، حيث لا يمكن لدولة واحدة أن تلعب دوراً أمنياً إقليمياً مع الاعتراف المتولد من الفاعلين الخارجيين”52.
من جهة، ستستمر إثيوبيا في “النضال للتغلب على المآزق الأمنية الداخلية”53. “سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تتعافى إثيوبيا من حرب أهلية واسعة النطاق وتعيد اختراع نفسها كفاعل إقليمي في مجال السلام والأمن”54. سيستمر “المشكل الأمني المستمر في استنزاف قدرة الدولة” 55، وستظل صورتها “كدولة ارتكاز” “ملطخة”56. ويُستشهد بـ “تخلي إثيوبيا عن دورها القيادي في عملية السلام في جنوب السودان” كمؤشر على هذا التراجع57.
من جهة أخرى، قد تفتقر كينيا إلى “الإرادة السياسية لتشكيل الديناميكيات الأمنية الإقليمية” 58وقد “تمتنع عن تقاسم العبء الأمني للمنطقة”59. هذا الفراغ قد يزداد تعقيداً بفعل عوامل أخرى، حيث يشير التقرير إلى أن “الديناميكيات الجيوسياسية الأخيرة بشأن الوصول إلى منفذ بحري قد تشجع جيران إثيوبيا المباشرين على العمل معاً وتعريض حملة إثيوبيا للخروج من التراجع الجيوسياسي للخطر”60. النتيجة النهائية ستكون منطقة مجزأة وغير مستقرة، تفتقر إلى جهة فاعلة قادرة على قيادة العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة.
الجزء الثالث: الأبعاد الاستراتيجية الكبرى: عقدة النيل وطموح البحر الأحمر
على الرغم من أن تقرير معهد الشؤون الخارجية يركز بشكل أساسي على ديناميكيات القوة بين الدول، إلا أن سياستين محوريتين تشكلان خلفية أساسية لفهم طموحات إثيوبيا وتحدياتها، وهما قضية مياه النيل والسعي للوصول إلى البحر الأحمر.
1. نهر النيل: بين السيادة الوطنية والأمن الإقليمي
يشير التقرير إلى الخلافات مع مصر والسودان حول النيل كأحد التحديات الرئيسية التي تواجه الدبلوماسية الإثيوبية61. يمثل سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) أكثر من مجرد مشروع لتوليد الطاقة؛ إنه رمز للسيادة الوطنية والطموح التنموي وقدرة إثيوبيا على التحكم في مواردها الطبيعية. من منظور أديس أبابا، يعد السد حقاً أصيلاً وضرورة قصوى لمكافحة الفقر وتحقيق نهضة اقتصادية طال انتظارها.
لكن هذا المشروع وضع إثيوبيا في مسار تصادمي مباشر مع دول المصب. فالجمود المستمر في المفاوضات الثلاثية لا يؤثر فقط على العلاقات الثنائية، بل يخلق حالة من عدم اليقين الاستراتيجي في منطقة شمال شرق أفريقيا بأكملها. إنه يستنزف الطاقة الدبلوماسية، ويغذي الخطابات القومية العدائية، ويمنع تشكيل أي تكتل إقليمي مستقر. إن عدم القدرة على حل هذه القضية المعقدة يظل قيداً كبيراً على قدرة إثيوبيا على ممارسة دور قيادي إقليمي يحظى بالثقة والقبول من جيرانها الشماليين.
2. البحر الأحمر: ضرورة وجودية أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
أشار التقرير بذكاء إلى أن “الديناميكيات الجيوسياسية الأخيرة بشأن الوصول إلى منفذ بحري” قد تكون عاملاً في تشكيل تحالفات إقليمية ضد إثيوبيا62. هذا يلمح إلى أحد أهم محركات السياسة الخارجية الإثيوبية الحالية. فبعد أن أصبحت دولة حبيسة، ظل الاعتماد على ميناء جيبوتي يمثل عبئاً اقتصادياً ونقطة ضعف استراتيجية.
إن السعي الحثيث للحصول على منفذ بحري، والذي تجلى في التحركات الدبلوماسية الجريئة الأخيرة، يعكس شعوراً بالإلحاح الوجودي لدى القيادة الإثيوبية. لكن هذه السياسة، رغم منطقيتها من منظور وطني ضيق، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة. فهي تهدد بتأجيج التوترات مع الصومال، وتثير قلق دول المنطقة الأخرى، وقد تعقد علاقات إثيوبيا مع القوى الدولية التي تفضل الحفاظ على الوضع الراهن. هذا الطموح البحري يتقاطع بشكل مباشر مع السيناريوهات الأربعة التي طرحها التقرير؛ فقد يعرقل سيناريو استعادة الهيمنة (السيناريو 3) من خلال خلق أعداء جدد، وقد يسرع من حدوث سيناريو الفوضى الإقليمية (السيناريو 4) إذا أدى إلى صراعات جديدة.
ملاحظة ختامية من مركز القرن الأفريقي للسياسات
في الختام، يقدم تقرير معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي رؤية شاملة وعميقة للتحديات الوجودية التي تواجه إثيوبيا في سعيها لتحديد دورها المستقبلي في القرن الأفريقي. إن خلاصة التحليل تؤكد حقيقة أساسية: إن “معالجة مشكلة الأمن المحلي بشكل كافٍ” هي نقطة الانطلاق لأي سياسة إقليمية ناجحة63. فبدون استعادة الاستقرار الداخلي، وبدون “إعادة النظر في استراتيجية إقليمية تساعد الدولة على التعافي من الألغاز المحلية والإقليمية” 64، ستظل إثيوبيا عالقة بين ماضٍ مجيد كقوة مهيمنة ومستقبل غامض قد ترى فيه نفوذها يتضاءل لصالح قوى صاعدة أو لصالح الفوضى.
يود مركز القرن الأفريقي للسياسات أن يؤكد مجدداً أن هذا الملخص التحليلي يهدف إلى عرض وتعميق فهم الأفكار الواردة في التقرير الأصلي، وذلك لغرض إثراء النقاش الأكاديمي والسياسي حول مستقبل هذه المنطقة الحيوية. الآراء والسيناريوهات المطروحة هنا هي انعكاس دقيق لوجهة نظر معدي التقرير الأصلي في معهد الشؤون الخارجية، ولا يتبناها المركز بالضرورة أو تعبر عن موقفه الرسمي.
الارقام تشير الى الصفحات التي تم اقتباس المقولة عنها
المقال الدورية الاصلية

